Saturday, February 18, 2017

في الحج والسياسة وادارة الدولة الأردنية ... خواطر مبعثرة بقلم الدكتورعمار سليم الخوالده

في الحج والسياسة وادارة الدولة الأردنية ... خواطر مبعثرة

بقلم الدكتورعمار سليم الخوالده

Ammar Alkhawaldeh

في الحج ... لا تملك إلا أن تنبهر بجلال المشهد وتندهش من عظمة المكان، ثم لا تلبث أن تستسلم لنسائم الطمأنينة وهي تغشى قلبك الصلد فتجعل منه روضة غناء ندية تحف جنباتها شآبيب الرحمة وتهمي عليها سحائب المغفرة المرتجاه ... في الحج ... تأخذك مكة وشعابها فتستحضر بها كبرياء صخر بن حرب وغرور عمرو بن هشام وفصاحة سهيل بن عمرو، ثم لا تلبث أن تلمح هند بنت عتبة تزين جبينها انفة الحرائر ويعلو هامتها شموخ الكنانيات... يا لله كم يهزني المشهد ... ففي تلك العرصات لطم حمزةُ رمزَ الطغيان والعنجهية وصرخ به أن "ردها علي إن أستطعت" ... وفي تلك الشعاب انصت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لعتبة بن ربيعة "الكافر" دون أن يقاطعه حتى إذا سكت سأله بأدب النبوة واخلاقها "أقد فرغت يا أبا الوليد"؟ ثم تلى عليه ما تلى ... و في تلك الديار قالها عليه الصلاة والسلام وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه "اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون" ... وفوق رمال الجزيرة الملتهبة تلك نزل قوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ... فمن أين اتت كل هذه الغلظة وكيف حل بنا هذا الغلو يقع فيه هؤلاء فيتجردون من انسانيتهم ليصبحوا وحوشا بشرية تستمرء القتل وجز الرؤوس وابادة البرآء من الاطفال بالبراميل المتفجرة والله يقول في قرآنه "رحمة للعالمين" ... وقد وسعت رحمته كل شئ

في ذاك الوادي غير ذي الزرع وبينا كعبة الله المشرفة في مرمى البصر كانت مني التفاتة، فما هو إلا رئيس وزراء الأردن الدكتور هاني الملقي بجانبي ... مددت يدي عليه مسلما معرفا باسمي ... مد يده مسلما لكنه ولسبب أجهله بدا مشدوها ... غادر موضعه مباشرة إلى آخر مسجد قصر الصفا حيث كنا والزم ظهره الحائط ... ذهلت لما بدا لي من سلبية في موقفه ذاك... أفلمجرد أن فاجأه مواطن أردني بالسلام في موضع لم يكن يحسب أن يرى فيه إبن قرية نشأ في بيت من الحجر والطين في رحاب بلدة كانت محرومة ولا زالت كبلعما, ينهزم إلى الحائط؟ ... ظننته وهو "صاحب الولاية التنفيذية العامة" يبادرني بالسؤال عن أحوال "رعيته" وانا منهم ... ظننته يفسر لي كيف تلاعبت عدة حكومات منها حكومته بهيبة الملك وجعلتها موضع تساؤل بعد أن وعد الملك أهالي بلعما برفع الظلم عنهم بتنفيذ إستحقاق ترفيعها إلى لواء، لتضرب تلك الحكومات المتعاقبة بوعده عرض الحائط ولسنوات لم يزل ظلها ثقيلا ... ظننته يفسر لي سبب تخليه و كثير ممن سبقه من رؤساء الحكومات عن مسؤولياتهم الدستورية في السياسة الخارجية والداخلية وفقا لاحكام المادة 45-1 من الدستور التي تقول "يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية ...." فصرنا نرى أناسا لا صفة وظيفية دستورية لهم يمثلون الأردن في شؤون السياسية الخارجية، ومر علينا وقت لا يعرف فيه وزير الدفاع ما يدور في بلده فكان ما كان من تضارب تصريحات ناطق حكومته الرسمي مع ما يجري على الأرض ولاحقا مع تصريحات جهات أمنية أو عسكرية تتبع له دستوريا من خلال وزارة الداخلية أو الدفاع أو غيرها ... ظننته يشرح لي لماذا يصر بعض الجهابذه ممن ولو أمر جامعاتنا على وصف طلبتهم المطالبين بحقوقهم بأقذع الأوصاف حتى قالوا عنهم أصحاب سوابق ومتعاطين للمخدرات واتهموا من فصلوه تعسفا بتفيذ أجندة مشبوهه، ظننته يقول لي إلى أي عصر ينتمي كثير ممن تمكنوا فأعلوا بنيان فسادهم وكيف هبطوا على مقاعد القيادة في مؤسساتنا العليا حتي أصبح حالها لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا ... ظننته يفسر لي كيف يجرؤ بعض حكامه الادارين على إهانة القضاء وهيبته فيرفضون تنفذ احكامه... ظننته يفسر لي كيف وصلت مديونيتنا إلى 93% من الناتج الأجمالي المحلي دون أن يحاسب أحد ممن "قعدونا على الحجار السود" ثم ابتنوا لانفسهم قصورا ولم يتركوا ركنا من أركان المعمورة إلا وحلت به أبسطة ريحهم المطرزة باموال السحت التي أفترسوها من بين ظهرانينا ثم استلوا حناجرهم يتلون علينا "وبشر الصابرين" ... ظننته و ظننته ... لكنه لم يفعل... بل أخلد إلى الحائط.

ياللحزن ... أولم يتجشأ ابن الخطاب عمر، وهو من هو، عناء السير في طرقات المدينة المظلمة الوعرة متحسسا أحوال من استأمنه الناس عليهم حتى أنه حمل مؤونة الجياع من الأطفال على ظهره بعد أن رأى أمهم "تطبخ" لهم الحصى والماء من قلة ذات اليد، صائحا بصاحبه الذي أراد أن يحمل عنه "اوتحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟"

أولم تبتل لحيته الكثة بدموعه رضوان الله عليه يوم أن أستعطفه جرول ابن أوس بعد أن أقذع ب

"ماذا تقول لافراخ بذي مرخ ..... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

القيت كاسبهم في قعر مظلمة ....... فاعطف عليك سلام الله يا عمر"

في تلك الليلة وقبل أن تكتحل عيناي برؤية رئيس وزرائنا واثناء دخولي مسجد قصر الصفا الصغير الذي يعتبر جزءا من الحرم المكي، رأيتني وجها لوجه مع الدكتور محمد المومني وزير الدولة الأردنية لشؤون الإعلام ... دون تردد، مددت يدي مسلما، سائلا إياه: "محمد المومني؟" ... بابتسامة مهذبة تخفي وراءها امتعاضا من مخاطبته باسمه مجردا، رد بايجاب، فعرفته باسمي ... كان مؤدبا ودبلوماسيا رغم عدم ارتياحه لطريقة مخاطبتي له لكنه والحق يقال كان "مهنيا" متزنا في مجاملته حتى أنه و عندما تلاقت عيوننا يوم العيد في القصر الملكي في منى على مأدبة الغداء التي اقامها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لضيوفه من الحجيج، قام من مقعده وتوجه بالسلام فأكبرت فيه لفتته تلك رغم نظرتي السلبية لجل ادائه السياسي.

مضيت بعد صدفة التقائي بوزير "الاعلام" ورئيس الوزراء في طريقي للصلاة في المسجد صغير المساحة ومكثت ورفاقي من وفد "ضيوف خادم الحرمين" من الولايات المتحدة في المسجد علنا ننال أجر الصلاة في الحرم، فهي بمئة ألف صلاة .. قبيل أذان الفجر بدقائق وفور أن سلمت منتهيا من ركعتي تطوع واذا بي يجلس بجانبي رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونه، ليس بيني وبينه حجاب وكلانا ينظر إلى الكعبة المشرفة على بعد أمتار ... ترددت، فأنا والحق يقال لا استسيغ كثيرا من مواقفه السياسية فهي تذكرني بحديث الملك لصحيفة "ذي أتلانتيك الأميركية" عن الديناصورات السياسية ... لكني إستحضرت عظمة بيت الله الذي نحن فيه فصدحت بالسلام عليه لكنه لم يعبأ وكأن محدثه جدار ... لم يتجشأ عناء رد السلام وهو حق لا إستجداء فيه سيما أننا في الموضع الذي كنا فيه ... عندها أيقنت كيف تدار دولتنا الاردنية بنماذج ظاهرية ثلاث ... نموذج إزدراء الناس الذي تمثل بتصرف رئيس الديوان الملكي المعيب ... ونموذج رئيس الوزراء الذي يخشى الحديث إلى مواطنيه البسطاء أمثالي ... ونموذج الاعلامي الحاذق الذي لا يألوا جهدا في محاولة إمتصاص الصدمات فيجعل من نفسه أداة لتسويغ ما لا يستساغ حتى أنه وصف معارضيه في قضية المناهج بانهم 'ضالون' و'أصحاب أجندات سياسية‘

تذكرت حينها كيف تم العبث بكثير من ثروات البلد ومؤسساته الانتاجية وكيف "طارت الطيور بأرزاقها" إلى غير رجعة ... تذكرت كيف تم حشو مقامرة المشروع النووي المريبة في حلوقنا رغما عنا ... تذكرت كيف تم العبث بثوابت البلد وتقاليده الراسخة حتى تم تحويل العشائرية في بلدي وعن سابق قصد من منظومة إجتماعية فيها قيم جميلة إلى أداة لتفتيت البنية السياسية درءا لتجذر معارضة سياسية وطنية فاعلة فكان لا بد من إعلاء شأن الانتماء العشائري الضيق على حساب الانتماء الأكبر للوطن وما غدونا نراه اليوم من تصرفات يندى لها الجبين في جامعاتنا تتنافى أصلا مع "القيم الاجتماعية العشائرية" ليس إلا نتيجة حتمية لتلك السياسات الخرقاء التي جعلت هدف قتل أي معارضة وطنية فاعلة أسمى من المحافظة على النسيج الاجتماعي لوطننا الجميل ... فأصبحت "الفزعة" في أحايين كثيرة لرابطة "الدم" لا للحق واصبح قول الله تعالى "ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" آية تتلى في الصلوات دون أن تنعكس على سلوكنا أو أن تكون لنا منهجا وطريقا

تبا للغزاة ... "ويشرب غيرنا كدرا وطينا
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh