Thursday, January 5, 2017

التحرش الجنسي ... لا للسكوت


التحرش الجنسي ... لا للسكوت

بقلم د. عمار سليم الخوالده

Ammar Alkhawaldeh

في ظل الحديث الخجول بين الفينة والاخرى عن قضايا التحرش الجنسي  في بعض مؤسساتنا فقد آن الأوان أن يفتح هذا الملف ويناقش بصراحة وموضوعية ودون تهويل أو إنتقاص ... لا أحد يماري أن الغالبية العظمى من الاكاديميين في جامعاتنا شرفاء ومن ذوي الأخلاق الحسنة إلا أن أهمية هذا الموضوع ومساسه بواحدة من أركان الأخلاق والحقوق الانسانية، ناهيك عن ابعاده الاجتماعية والدينية تحتم أن نقف عند هذه القضية لمناقشة جذورها الاجتماعية والمهنية ووضع حلول ناجعة وصارمة حتى لا تكون أي من اخواتنا أو بناتنا أو صديقاتنا ضحية لمن أرتضو لبهيميتهم أن تطغى على انسانيتهم

في البدء، لا بد أن نذكر أنفسنا أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، لكن في الشق الاداري، كما أرى، فإنه لا ينبغي ال
إكتفاء بانهاء خدمات هؤلاء الذين تجردوا من انسانيتهم فخانوا أمانة المهنة والمسؤولية واعتدوا على إنسانية بناتنا بل لا بد من ملاحقتهم قضائيا إن أمكن وضمن الأطر القانونية، فالتحرش (ولا أدري إن كان مجرما صراحة في قانون العقوبات الأردني) إن تحققت قرائنه مشفوعة باستغلال المنصب أو الموقع الوظيفي لابتزاز الفتيات، قد يشكل فعلا جرميا، ومن يمارسه مجرم على أي حال بالمفهوم المجتمعي إن لم يكن القانوني ولا ينبغي أن يعامل إلا بصفته تلك... وينبغي أن تعدل التشريعات القانونية (إن لم تكن موجودة أصلا) لتجريم التحرش صراحة و بانواعه المختلفه وتغليظ عقوبته وكذلك لالزام المؤسسات التي تقع فيها حوادث التحرش بتبليغ "الضابطة العدلية" بتلك الحوادث وتجريم التستر عليها أو تضليل العدالة إن وقع فيصبح المسؤولون في تلك المؤسسات عرضة للمساءلة والملاحقة القانونية إن اخلوا بواجبات التحقيق في تلك الحوادث والتبليغ عنها.

ثم إن على الطالبات أن يتحلين بالشجاعة وان ينفضن عنهن غبار الخوف وان لا يتورعن عن الابلاغ عمن تسول له نفسه العبث ببراءتهن ... وربما كان على المجتمع وخصوصا الأكاديمي طلابا واساتذة أن يشكلوا مجموعات دعم لضحايا التحرش في مؤسسات التعليم العالي وان تقوم هذه المجموعات ليس بدعم الضحايا فقط بل بنشر الوعي وتعريف الطالبات بحقوقهن والتركيز على نشرات توعية للطلاب حال دخولهم الجامعة وفي فصلهم الأول فالتحرش ليس مقصورا على الاساتذة بل يمارسه بعض الطلاب إلا أن ليس لديهم قوة المنصب أو الموقع الذي يملكه عضو هيئة التدريس.

قضية التحرش أو استغلال الطالبات للاسف قديمة في جامعاتنا وان كانت بأعداد محدودة لكن لا يبرر ذلك السكوت عنها إطلاقا, فقد عايشنا بعضها أيام دراستنا في الجامعة ... ومن باب الانصاف، فقد كان هنالك عدد محدود جدا من الطالبات ممن يلعبن على وتر الأنوثة للظفر ببعض المكتسبات الأكاديمية لكن ذلك ليس مبررا على الاطلاق أن نلقي باللوم على الضحية فمن يملك قوة المنصب أو الموقع هو من يلام ويحاسب

التحرش له أشكال مختلفة منها اللفظي ومنها ما كان بالنظر والايماء واللمس، ومنها ما يمارس عبر وسائل التواصل المتعددة، على أن التحرش منتشر في أصعدة مختلفة فبعض الذكور (ولا أقول الرجال) من طلاب جامعاتنا يمارسونه في شوارع جامعاتنا ومن يتجول في الأسواق يرى هذه الطقوس المقززة يمارسها شبان لا تدري أتحزن لحالهم المزرية أم تفزع لقلة أخلاقهم وانعدام حيائهم

وإن من أكثر ما يبعث على التقزز تبرير المتحرشين لافعالهم المريضة بلباس الفتاة وهذا لعمري اعتراف صريح منهم أن لا أخلاق لديهم تردعهم عن فعل المنكر إذ أن الاخلاق "فعل" ذاتي يلتزم به أهل المروءة لانه هو ما ينبغي فعله ولا يضيرك ما تراه من أفعال الناس وتصرفاتهم ... فلتلبس الفتاة ما شاءت وانت عليك بنفسك ولسانك فلا ينبغي أن يكون أي من أفعال الأخرين أو تصرفاتهم مبررا لك أن تتجرد من مروءتك.

ثم أن على بعض "مشايخنا" الاحبة أن يكفوا عن وصف المرأة بأنها "قطعة حلوى" إذا كشفت اجتمع عليها الذباب فهذا لعمري من أكثر ما أراه مهينا للمرأة فهي انسانة عقلا وجسدا وروحا وليست "قطعة حلوى" والمنصف لا يمكن أن يتجاهل انجازات كثير من بناتنا واخواتنا وزميلاتنا العلمية والاجتماعية والمهنية ... وربما يكون هذا القول حافزا وان بغير قصد على تبرير أفعال التحرش المهينة ... فالالتزامات الدينية نبيلة المقاصد ولا ينبغي لادوات الدعوة إليها إلا أن تكون نبيلة مثلها 

في كل المواقع الأكاديمية والصناعية التي عملت بها في الولايات المتحدة، تطبق معايير صارمة في قضايا التحرش الجنسي ويأخذ "الموظف" تدريبا إجباريا في هذا الموضوع، وعلى سبيل المثال فإني ملزم في المواد التي ادرسها عندما كنت في سلك الأكاديميا, أن أضمن فقرة لمقرر المادة الذي أوزعه على الطلاب تعلم الطالب أن المؤسسة التعليمية التي يدرس بها تطبق تعليمات صارمة ضد التحرش الجنسي وتشير إلى رابط هذه التعليمات على موقع المؤسسة التعليمية وتعطي رقم هاتف الجهة المسؤولة في الجامعة أو المعهد في حال تعرض الطالب أو الطالبة لمضايقات أو تحرش من أي نوع... هنالك أيضا منظومة تشريعات قانونية تجرم التحرش بانواعه المختلفة بما فيه "التحرش الألكتروني" وتغلظ عقوبته لذا فإن كثيرا من "ضعاف النفوس ومرضاها" يرتدعون بقوة القانون فهل منظومة التشريعات الأردنية تواكب متطلبات العصر في هذه المجال أم أنها لا زالت على حالها منذ عقود؟

ثم أنه ودعما لمنظومة التشريعات الحالية والمرتجاة لابد أن نركز على البعد التربوي بدءا بالاسرة ومرورا بالمدرسة وانتهاء بالمجتمع بكليته فالمتحرشون لم يهبطوا علينا من السماء بل هم "أولاد ناس" وكما أننا نملؤ الفضاء الالكتروني عويلا على فساد المسؤولين فعلينا أن نقف وقفة مراجعة لفسادنا كمجتمع واشخاص فليس للمسؤولين علاقة مباشرة بتصرفاتنا المعيبة من تحرش أو عدم إحترام الدور أو إلقاء النفايات بالشوارع أو السباب والالفاظ النابية التي لا تسلم من سماعها إن قدت سيارتك في شوارع أي من مدننا الكبيرة ناهيك عن عدم الأمانة والغش في التعامل وغيرها مما لا يليق بنا وباخلاقنا السامية ... طبعا في مجتمعنا خير كثير لكن لابد من تشخيص المرض قبل الحديث عن الدواء .. والله أعلم

شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh