Friday, March 31, 2017

التصوير التشخيصي الطبي وتقييم المخاطر: التصوير المحوري المحوسب والرنين المغناطيسي ... مثالان ... بقلم الدكتور عمار سليم الخوالدة

التصوير التشخيصي الطبي وتقييم المخاطر: التصوير المحوري المحوسب والرنين المغناطيسي* ... مثالان
 

بقلم الدكتور عمار سليم الخوالدة


Ammar Alkhawaldeh

ملاحظة 1: لا انتمي للقطاع الطبي (بل مهندس كيماوي) ومحتويات هذه المقالة هي خليط من آرائي وتجاربي الشخصية وحوارات مع باحثين في الطب الإشعاعي و اجتهادي في ترجمة واقتباس وتحليل اجزاء من مقالات علمية مختلفة لكنها ليست دراسة علمية بحد ذاتها بل مقالة رأي وقد لا ينسجم أسلوب عرضي للمعلومات مع الأساليب المعتمده في القطاع البحثي الطبي

ملاحظة 2: هذه ليست دعوة لعدم إتباع إرشادات طبيبك فهذا لا ينبغي ... بل عين الحكمة أن تفعل

في كثير من المهن والتخصصات العلمية هنالك "الممارسون المحترفون" و "الباحثون المحترفون" وخليط منهما معا ... المهندس البارع مثلا يحيد التشغيل والصيانة وايجاد الحلول الابداعية للمشاكل التشغيلية ويقدم المقترحات لتحسين الانتاجية وزيادة الفاعلية لكن التقنيات الجديدة والبدائل التكنولوجية الفضلى والحلول الجذرية للمصاعب الصناعية/العلمية المزمنة تأتي عادة من المهندسين الباحثين لا "التشغيلين" فهم يمتلكون ناصية الاسلوب التحليلي البحثي الابداعي الذي لا يجيده المهندسون "المحترفون التشغيليون" رغم ابداعهم في ادامة العمليات الصناعية على الصعيد التشغيلي اليومي وتفوقهم على جل اقرانهم من شتى المهن

الأمر لا يكاد يختلف كثيرا في مجالات أخرى كالطب مثلا ... فكثير من الأطباء المقتدرين والذين ينقذون كثيرا من الارواح ويخففون آلام الناس وذويهم ليسو بالضرورة باحثين قادرين على إعمال الأسلوب التحليلي البحثي في التعامل مع الحالات المرضية التي "يديرونها" على الصعيد اليومي ... فأنت إذ تقصد الطبيب وهي/هو في الغالب "محترف" لا "تحليلي باحث" قد تنتهي مثلا في قسم "الأشعة" لعمل تصوير "مقطعي محوري مبرمج" أو رنين مغناطيسي دون أن يكون لديك أدني فكرة عن المخاطر المحتمله أو أن تعطى الفرصة لتقييم ذلك ... فالمريض "العادي" لا يملك إلا أن يثق بطبيبه ... والطبيب "الممارس المحترف" قد لا يكون لديه الالمام البحثي التحليلي من ناحية وهو/هي ضحية ضغوطات أخرى عديدة كالمردود المادي وشركات التأمين وادارة المشافي و "الكوتا" اليومية لعدد المرضى الذين يعاينهم فيلجأ إلى "البروتوكول" المتعارف عليه في الربط "الميكانيكي" بين الأعراض و الامراض في التشخيص والتوصية بفحوصات تشخيصية "بروتوكولية"، غير آبه لخصوصية الحالة وما قد تتطلبه من عناية مختلفه

لست أنادي بحياة خالية من المخاطر فذاك نقيض الحكمة وعدوها ... بل اسعى إلى قدر معقول من التعامل مع المريض بعيدا عن أسلوب الوصاية المطلقة فالمريض يستحق أن يعطى الفرصة لا أن يزج به إلى مخاطر قد لا يعيها أو عواقبها وطبيبه ... بعض المرضى مثلا يخضعون بناء على توصية طبيبهم لتصوير الرنين المغناطيسي المصاحب لحقن "عامل التباين" وهو في الغالب من مركبات عنصر "الجادولينيوم" والذي اشارت كثير من الدراسات العلمية إلى ارتباطه بالاصابة بنوع من من أنواع (التليف**) الذي يصيب الكلى والجلد واعضاء أخرى في الجسد، وقد يتسبب في الوفاة في حالات عديدة (ما يقارب 30% من الحالات المصابة والتي تقدر بحوالي 5% ممن يخضعون للتصوير من الفئة عالية الخطورة ... حسب ما نعرفه إلى الآن)

سيقول قائل أن ذاك ينطبق فقط على مرضى الفشل الكلوي أو من يعانون من مشاكل الكلى ... نقول لهم على رسلكم ... فرغم أن الغالبية العظمى ممن نعرف أنهم أصيببوا بهذا المرض هم من مرضى الكلى إلا أنه ليست هنالك دراسات بعد فيما يتعلق "بمخاطر المدى البعيد" المحتملة للتعرض للجادولينيوم ... ثم إن مركبات هذا العنصر المستخدمة في "تصوير" الرنين المغناطيسي وان كانت تخرج من الجسم السليم في معظمها خلال سبعة أيام إلا أن هنالك مؤشرات أن كميات قليلة جدا تبقى في الأنسجة لمدة أطول بكثير ولا أحد يعرف بعد إن كانت قد تتسبب بأذى أم لا ... ومما يعزز المخاوف ذاك التحذير الذي اطلقته (مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية***) في منتصف عام 2015 تذكر فيه أنها و "المجتمع البحثي والصناعي" بصدد تقييم المخاطر الناتجة عن بقاء كميات قليلة من الجاديلينوم في الدماغ ولفترات قد تكون طويلة (خصوصا لمن تعرض لتصوير الرنين المصاحب لعامل التباين أربع مرات واكثر) ... وحثت المؤسسة الأطباء على تقييد التوصية بالرنين المغناطيسي المصاحب لعامل التباين للحالات الضرورية و التي لا يمكن الحصول على تشخيص مناسب بدونها

طبعا في الولايات المتحدة تتبع "أقسام الأشعة" تعليمات "إدارة الغذاء والدواء" فيجرون تحليلا لوظائف الكلية قبل إجراء التصوير فيتبين من هم أكثر عرضة للمخاطر ويطلب من المريض توقيع إقرار بقبول المخاطر المحتملة جراء الخضوع لهذا النوع من التصوير لكن كثيرا من المرضى لا يعون مقدار المخاطره فيما "يوقعون عليه" فقسم الأشعة يتعامل مع هذه الحالات يوميا فيصبح المريض "رقما" ... والطبيب المعالج قد لا يمتلك الوقت أو المعرفة الشاملة "لتثقيف" مريضة ... فتقع المسؤولية على المريض نفسه أن يتكبد عناء البحث فيما يوصى به إليه مع عدم قدرة كثير منهم على فعل ذلك

حتى نتفهم مصدر الخطورة دعونا نرى دور عامل التباين هذا (الجادولينيوم) في "تصوير" الرنين المغناطيسي وكيف يدخل إلى الجسم ... في "تصوير" الرنين المغناطسي يتسبب المجال المغناطسي القوي الذي تتعرض له خلايا الجسم في إستقطاب نواة ذرة الهيدروجين في جزيء الماء في الانسجة باتجاه المجال المغناطيسي ويقوم الملف المستقبل (الكاشف) بالتقاط التأثير الأستقطابي هذا عن طريق تأثير الدوران العشوائي الجزيئي المتذبذب والذي يتسبب في "إسترخاء" ذرة الهيدروجين فيكون الوقت المبذول في الاسترخاء أحد العوامل المهمة في وضوح الصورة ... عندما يحقن عامل التباين (الجادولنيوم) فانه يتفاعل مع الماء في الخلايا ويغير وقت الاسترخاء المشار الية آنفا بالابطاء أحيانا (أو التسريع) مما يساعد على التمييز بين الخلايا المختلفة السرطانية منها أو المرضية أو الالتهابية أو الطبيعية في "الصورة" المنتجة

وسيلة أخرى مهمة يلجأ إليها الأطباء في تشخيص كثير من الامراض الخطيرة هي التصوير المحوري (المقطعي) المحوسب/المبرمج والتي تستخدم الاشعاع المؤين للحصول على صورة طبقية لاعضاء الجسم الداخلية للكشف عن الأمراض ... يستخدم هذا النوع من التصوير بكثرة فقد قدر عدد حالات اجرائه في عام 2007 في الولايات المتحدة وحدها مثلا ب 72 مليون مرة ... ويتراوح المعدل السنوي لاجراء هذا النوع من التصوير في هذه البلد بين 70 و 80 مليون مرة، تضع بعض التقديرات ثلثها في خانة اللاضرورة سيما أنها تعرض من تجرى لهم لمخاطر إشعاية هم بغنى عنها ما لم يكن الخضوع لها أمرا لا مفر منه

فقد ربطت دراسات عديدة، سآتي على ذكر نتائج بعضها بين إجراء هذا النوع من التصوير الطبقي وازدياد مخاطر الاصابة بالسرطان (على المدى البعيد) نتيجة التعرض للاشعاع المؤين من الجهاز، لكن كثيرا من الأطباء لم يكونوا على دراية بتلك المخاطر (مع أن بعضهم ينكرها إنكار الزيت للماء) فقد اجري إستطلاع في عام 2004 بين أطباء الطوارئ بين أن 91% منهم لم يكونوا على دراية بتلك المخاطر المحتملة أو ما قد تفضي إليه من عواقب وخيمة

ذرونا الآن وعلى عجالة نتطرق إلى بعض الدراسات في هذا الشأن ... فقد أجرى باحثون استراليون دراسة "إحصائية" نشرت عام 2013 على ما يقارب 11 مليون شخصا خضع منهم 680000 للتصوير الطبقي (المقطعي المحوسب) بين عامي 1985 و 2005 مع كونهم من مواليد هذه الحقبة الزمنية فوجدوا أن معدل خطورة الاصابة بالسرطان بين الذين خضعوا للتصوير الاشعاعي المؤين زاد بنسبة 24% مقارنة بالذين لم يتعرضوا للاشعاع التشخيصي المؤين وقد لاحظوا أن علاقة الجرعة (الأشعاعية) للاستجابة**** تزداد مع صغر عمر الشخص الذي تعرض للاشعاع ... أي أن المخاطر على الاطفال أكثر منها على كبار السن ... طبعا لابد من التنويه هنا أن اجهزة التصوير الحديثة والبروتوكولات المصاحبة لها تعرض المريض إلى نسبة إشعاع أقل من تلك التي في الدراسة نظرا لقدم التكنلوجيا لكن ذلك لا يلغي المخاطر المحتملة من التعرض الاشعاعي المصاحب لهذا النوع من التصوير التشخيصي الطبي

دراسة أخرى قام بها باحثون من جامعة كولومبيا الأمريكية واحد المشافي المحلية اشارت إلى أن مخاطر تعرض الأطفال للاشعاع المؤين من التصوير الطبقي تفوق تلك التي يتعرض لها البالغون واوصت بضرورة تقليل الجرعة الأشعاعية للاطفال في حال حاجتهم لهذا النوع من التصوير التشخيصي إذ يمكن فعل ذلك دون التضحية بنوعية المعلومات الناتجة ... فطبقا للمعلومات المتوفرة وقت إجراء الدراسة (عام 2001) فإن ما يقارب 600000 حالة تصوير طبقي اجريت لاطفال دون سن 15 سنة تقدر الدراسة إحتمالية وفاة 500 منهم (على المدى البعيد) نتيجة سرطان يتسبب به الاشعاع المؤين في التصور الطبقي التشخيصي ... طبعا هذه ليست دعوة للقلق لمن تعرض من الاطفال للتصوير الطبقي ذي الاشعاع المؤين بقدر ما هي دعوة للتوعية بعدم التعجل في إجراء هذا النوع من التصوير في الحالات غير الضرورية ... فهذه الدراسات ذات طابع احصائي ولا تعني بالضرورة تلازم إجراء التصوير الطبقي مع الاصابة بالسرطان بل هي ازدياد في الاحتمالية واثارها المترتبة

إحدى الدراسات التي نشرت عام 2009 بناء على معطيات التصوير المحوري المحوسب ذي الاشعاع المؤين التي اجريت عام 2007، ربطت بين إحتمالية الاصابة بالسرطان و الجزء الذي خضع للتصوير من الجسد ... فكان نصيب الاسد لتصوير البطن والحوض، يليه الصدر، ثم الرأس ... وتنبأت الدراسة أن يكون ثلث الاصابات ممن اجريت لهم الصور وهم في الفئة العمرية 35 إلى 54 ، و 15% ممن كانوا دون 18 من العمر مع الاشارة إلى تفوق نسبة الاصابات بين النساء (66%) على تلك التي في الرجال

جل الدراسات التي عرضتها تعتمد أرقاما إحصائية مبنية على حالات "تاريخية" حديثة بعكس الدراسات القديمة التي اعتمدت كمية الاشعاع التي تعرض لها الناجون الاوائل من ضحايا هيروشيما وناجازاكي كمرجعية قياسية ... لا أريد الاطالة أكثر فالدراسات كثيرة وانا إذ أؤكد مرة أخرى على الطابع الاحصائي لجل الدراسات والتي قد يغمز بعضهم من قناتها لكن المؤكد أن التعرض لهذه الاشعاعات المؤينة خلال التصوير التشخيصي الطبي له ما له و عليه ما عليه ... على أني اختم بالتأكيد أن هذه ليست دعوة للقلق بقدر ما هي دعوة للتوعية فمهما كانت ثقتنا "كمرضى" بأطبائنا إلا أن صحتنا هي مسؤوليتنا في الدرجة الاولى وينبغي كما أرى أن لا نتردد في طرح الأسئلة "الصعبة" عليهم عندما يتخذون قرارات مهمة ذات تأثير بين على صحتنا واجسادنا

* Computerized Tomography (CT) Scan/MRI with Contrast
** Nephrogenic Systemic Fibrosis (NSF)
*** U.S. Food and Drug Administration
****Dose/Response

مراجع مختارة    
       Selected References

·         “FDA Drug Safety Communication: FDA evaluating the risk of brain deposits with repeated use of gadolinium-based contrast agents for magnetic resonance imaging (MRI)”

               https://www.fda.gov/Drugs/DrugSafety/ucm455386.htm


·         “Intracranial Gadolinium Deposition after Contrast-enhanced MR Imaging.”, McDonald RJ1, McDonald JS, Kallmes DF, Jentoft ME, Murray DL, Thielen KR, Williamson EE, Eckel LJ., Radiology. 2015 Jun;275(3):772-82. doi: 10.1148/radiol.15150025. Epub 2015 Mar 5.


·         “Gadolinium-Associated Nephrogenic Systemic Fibrosis”, Jeffrey D. Schlaudecker, MD, and Christopher R. Bernheisel, MD, The University of Cincinnati College of Medicine, Cincinnati, Ohio, American Family Physician, Volume 80, Number 7 ◆ October 1, 2009


·         “Gd(III) complexes: basic relaxometric characterization”, Eliana Gianolio, "Design, Synthesis and Validation of Imaging Probes", EMMI Intensive Programme, Molecular Imaging Center,  September 19-30, 2011


·         "Classification and basic properties of contrast agents for magnetic resonance imaging", Geraldes, Carlos F. G. C.; Laurent, Sophie (2009),  Contrast Media & Molecular Imaging. 4 (1): 1–23., doi:10.1002/cmmi.265. PMID 19156706


·         “Macrocyclic and Other NonGroup 1 Gadolinium Contrast Agents Deposit Low Levels of Gadolinium in Brain and Bone Tissue: Preliminary Results From 9 Patients With Normal Renal Function”, Murata et al., Investigative Radiology: July 2016 - Volume 51 - Issue 7 - p 447–453


·         “Cancer risk in 680 000 people exposed to computed tomography scans in childhood or adolescence: data linkage study of 11 million Australians”, Mathews et al, BMJ 2013;346:f2360 doi: 10.1136/bmj.f2360 (Published 22 May 2013)


·         “How Much Do CT Scans Increase the Risk of Cancer?, Scientific American, Carina Storrs, July 1, 2013

              https://www.scientificamerican.com/article/how-much-ct-scans-increase-risk-cancer/


·         "Projected cancer risks from computed tomographic scans performed in the United States in 2007", Berrington de González A, Mahesh M, Kim KP, Bhargavan M, Lewis R, Mettler F, Land C (December 2009).. Arch. Intern. Med. 169 (22): 2071–7.


·         “Estimated Risks of Radiation Induced Fatal Cancer from Pediatric CT”, David J. Brenner, Carl D. Elliston ,Eric J. Hall, Walter E. Berdon, AJR:176, February 2001


·         “Radiation exposure from CT scans in childhood and subsequent risk of leukaemia and brain tumours: a retrospective cohort study”, Pearce MS, Salotti JA, Little MP, McHugh K, Lee C, Kim KP, et al.. Lancet 2012;380:499-505.


·         “Recurrent CT, Cumulative Radiation Exposure, and Associated Radiation-induced Cancer Risks from CT of Adults”, Sodickson et al., Radiology: Volume 251: Number 1—April 2009  (radiology.rsnajnls.org)


·         “Whole-Body PET/CT Scanning: Estimation of Radiation Dose and Cancer Risk”, Huang et al., Radiology: Volume 251: Number 1—April 2009 (radiology.rsnajnls.org)


·         “Report: Many medical imaging tests performed in U.S. are unnecessary”, CBS News January 27, 2015

            http://www.cbsnews.com/news/many-medical-imaging-tests-performed-in-u-s-are-unnecessary/


شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh