Tuesday, March 16, 2021

عسكرة الحياة السياسية في الاردن د. عمار سليم الخوالده

 

عسكرة الحياة السياسية في الاردن
د. عمار سليم الخوالده

تجنب الأردنيون عبر العقود الخوالي جحيم الانقلابات العسكرية المباشرة التي عصفت ببلاد العرب فأنشأت دكتاتوريات بشعة سجنت وقتلت واغتصبت ثم نشرت الجهل وأذلت الناس باسم القومية تارة أو التقدمية تارة أخرى، ناهيك عن صوت المعركة الذي لا يعلو عليه شيء إلا انغماس هذه الدكتاتوريات البشعة في كل ما هو قبيح ورديء.

غير أن الأردن والأردنيين قد وقعوا فيما أرى ضحية مخطط طويل الأمد لكن وتيرته تسارعت في العقدين الفائتين يهدف الى عسكرة الحياة السياسية والوصول في منتهى الأمر الى عسكرة الدور الدستوري للملك، وهو أمر خطير يهدد فيما أرى كيان الدولة ويلحق أذى عظيما بالمكانة الدستورية للملك، فهو رأس الدولة ودوره الدستوري مدني بامتياز ولا يصح العبث به من خلال عسكرة السلطة التنفيذية والتي يحكم الملك من خلالها "تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور" - المادة 26 من الدستور الاردني.

لقد رأينا كيف تمت عسكرة كثير من الوظائف الحكومية العليا من خلال التركيز على تعيين ضباط متقاعدين كبار جلهم من الأجهزة الأمنية في مواقع شتى ثم استخدام الجيش أداة لتنفيذ مهام تتعارض و دوره المقدس في الذب عن حياض الوطن والذود عن ترابه الطاهر. ولقد رأينا كيف تمت عسكرة وزارات توصف بأنها سيادية وابتدعنا عسكرة إدارة أزمة الكورونا ثم ما لبثنا أن عسكرنا وزارات مهنية حيوية حتى انتهينا بقرارات مفجعة تشي بانهيار مرعب في عقلية الإدارة الاردنية فآل بنا المآل الى تعيين أو انتداب متصرفين في المستشفيات في سابقة لا تستقيم مع عقل أو نقل.

لقد أسست الدول الحية لمستقبل أجيالها بقوانين تضمن مدنية الحكم حتى لا يتسلل النظام العسكري الى سدة الحكم بثياب مدنية، فالولايات المتحدة مثلا سنت قانونا منذ عام 1947 يسمى قانون الأمن القومي يحرم على الضباط المتقاعدين استلام حقيبة وزارة الدفاع الا بعد مضي سبع سنوات على الأقل على تقاعدهم وذلك لضمان أن يبقى الجيش تحت الحكم المدني من خلال وزير دفاع مدني وللتأكد من عدم تدخله في الحكم والسياسة ولكي تبقى الدولة مدنية كما أراد لها المؤسسون ولذا انيطت برئيس الدولة المدني المنتخب مهمة "القائد الأعلى للجيش".

نحن كما الأردنيين كلهم نحب الجيش أيما حب و نكن لمنتسبيه من أبنائنا وإخواننا كل الاحترام والتقدير فهم درع الوطن وحصنه المكين، لكن إقحام الجيش صاحب الرسالة المقدسة في الدفاع عن الوطن في امور ادارة الحكم قد يساهم خطأ في زعزعة الثقة بهذه المؤسسة العظيمة، ففي أمور الحكم والسياسة صواب وخطأ وصدق ومراوغة وهنالك عثرات وزلات ينبغي أن ننأى بالجيش عنها.

لقد تمكن البناة الأوائل في الدولة الأردنية من ترسيخ كثير من أسس الدولة المدنية الحديثة التي تضمنت قدرا جيدا وإن لم يكن مثاليا من الحريات وأطّرت لقدر مريح من التوازن بين السلطات من خلال دستور 1952 الذي جاء متوازنا إلى حد لا بأس به وإن لم يصل لدرجة الكمال. ولقد عهد الدستور للملك بصفته المدنية كرأس للدولة بأن يكون القائد الأعلى للجيش "الملك هو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية والجوية" المادة 32 من الدستور، وذلك في رأيي كي يبقى الجيش تحت الحكم المدني، فلمَ تصر بعض القوى الخفية الظاهرة على العبث بمقاصد الدستور النبيلة فتعمد الى عسكرة الحياة السياسية بمجملها من خلال عسكرة السلطة التنفيذية التي يتولى الملك الحكم بواسطة وزرائه فيها؟

هذه القوى، وقد تمكنت من كثير من مفاصل الدولة الحيوية، عمدت كذلك وبشكل خفي دؤوب لكنه مفضوح للعمل على نقض عرى هذا الدستور المتين عقدة عقدة حتى أنها أفرغت كثيرا من نصوص الدستور من روحها التشريعية فغدت كل عبارة فيه ذات مساس بحقوق المواطنين الأساسية مقرونة بعبارة "الا وفق أحكام القانون" أو ما يشبهها ثم يُفصّل القانون ليكبّل تلك النصوص الدستورية العليا وهو أدنى منزلة منها.

فالدستور، مثلا، يقول "لايجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون". ويقول في موضع آخر "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها الا في الأحوال المبينة في القانون ، وبالكيفية المنصوص عليها فيه" ويقول "تكفل الدولة حرية الرأي ، ولكل اردني ان يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون ." ويقول "تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون.".

ونحن نعلم علم اليقين أن كل هذه المبادئ الدستورية العظيمة قد تم انتهاكها وبشكل متكرر إما بتشريع قوانين تنتهك المبادئ الدستورية المشار اليها (قانون الجرائم الالكترونية، قانون منع الجرائم وإطلاق بد الحكام الإداريين لتكون سوطا مصلتا على حريات المواطنين الدستورية) أو باهمال القوانين والضرب بها عرض الحائط حتى رأينا حكاما إداريين يرفضون تنفيذ أحكام قضائية لتعلقها بتيارات سياسية أو أشخاص تكن لهم بعض مراكز القوى خصومة فاجرة ورأيناهم في أحايين أخرى بعيدون توقيف من أفرج عنهم القضاء وبنفس الساعة وباستهتار فاضح بهيبة القضاء ومكانته العلية.

شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh