Tuesday, July 5, 2016

دليل الطواغيت د. عمار سليم الخوالده Ammar Alkhawaldeh


دليل الطواغيت
د. عمار سليم الخوالده
تاريخ النشر 12-06-2012
Ammar Alkhawaldeh


لست ضليعا بالترجمة غير أني تعثرت بكتاب يحمل عنوان "دليل الطواغيت" لمؤلفيه بروس مسكيتا و الاستير سمث، فرايت ان اعرض لبعض ما ورد فيه، من باب البذخ الفكري لا غير، فموضوع الكتاب لا علاقة وطيدة له بواقعنا، فنحن في وطننا العربي والمن للمولى نرفل برغيد العيش و نتنشق نسائم العدل والديمقراطية التي انعم بها علينا أولو الامر حتى:

كدنا نقول لهم كفى حرية     جعنا الى شئ من استعباد

الطاغية او الدكتاتور، كما يقول الكتاب (وانا معني بروح النص لا حرفيته) ليس تواقا لان يجثم على صدر شعبه فحسب، بل ينبغي ان تكون له اليد الطولى في التحكم بموارد الدولة المالية و طرق إنفاقها ما قيض له ذلك والا فقد الذراع الضاربة التي من خلالها يحكم سيطرته و ينفذ سطوته. ولكي يتسنى له ذلك فلا بد من خلق و إدامة تحالف ضيق من مدفوعي الولاء يتولى صد و تهميش خصومه و أعداءه. و عليه، فلا مناص من ان يغدق الدكتاتور على دائرته الضيقة بالعطايا والهبات، فارضاء هذه الثلة المحظية من مدفوعي الولاء غاية في الأهمية لإدامة حكمه و هو امر مقدم على اي شئ حتى مصالح الشعب نفسه، فمن غيرهم لا ضمان للبقاء، اذ ان الحاكم، اي حاكم، لا قبل له منفردا بمواجهة إرادة شعبه ولا بد من وجود حلقة منتقاة تبطش بالناس و أرزاقهم نيابة عنه فهم من يحول بينه و بين العامة.

ولكي يضمن الدكتاتور ديمومة ولاء هؤلاء فعليه ان يعرف جيدا من اين تؤكل الكتف، فان أقتر فقد الولاء وان أغدق فالاغداق اولى لكن ليس الى الدرجة التي يستغني فيها المرتزق عن ولي نعمته الدكتاتور فيفكر بمنافسته و يصبح مصدر تهديد له، فان فعل حيك له امر ووصم بالفساد فاودع المعتقل حتى يزول تهديده. و إمعانا من الدكتاتور في ضمان ديمومة ولاء اصحاب الحظوة المرتزقة فانه يلجا الى استراتيجية اخرى تعطيه مرونة في التعاطي مع الواقع و تمكنه من الاحتفاظ ببعض الخيارات فهو ينتقي قلته الموالية من مجموعة اكبر قليلا يتنافس أفرادها فيما بينهم لدخول نادي اصحاب الحظوة. هذه المجموعة الاكبر تحظى بعطايا و امتيازات لكنها لا تقارن بما يجنيه اهل الدائرة الضيقة من مدفوعي الولاء. توفر هذه البنية للدكتاتور مرونة تجعله يستغني عن اي شخص يشاء في أية لحظة أراد فهنالك المئات و ربما الآلاف من اعضاء المجموعة الاكبر تواقون ليكونوا من الصفوة المنتقاة. و هذا التنافس المحموم بين قناصي الفرص و المتسلقين هو ما يتيح للدكتاتور فرصة البقاء طالما ان هنالك من يتنافس على ولائه مدفوع الأجر.

اذا فالدكتاتور يضع مصلحة شعبه في الدرجة الثالثة: بقاؤه في السلطة اولا، تحكمه بمفاصل الإنفاق ثانيا، ثم يسبغ المكرمات بما تبقى من فتات على الأفواه الفاغرة من شعبه الرازحين تحت وطأة الفقر والحرمان، فهما، اي الفقر والحرمان سلاحه الأقوى لاخضاع العامة و قيادتهم.

يلاحظ المتمعن مدى تجذر العلاقة بين السلطة و الفساد ولكن هل هي حتمية؟ يقول اللورد أكتون و هو مؤرخ و كاتب و سياسي عاش في القرن التاسع عشر و تقوم فلسفته على اعتبار ان الحرية السياسية هي الشرط والضامن الأساس للحرية الدينية، يقول (والترجمة بتصرف) "ليس من الضروري ان تقود السلطة الى الفساد و لكن السلطة المطلقة لا محالة فاعلة". اذا ماالذي ينأى بالسلطة غير المطلقة عن الفساد؟ الاجابة هي ان السلطة غير المطلقة و بالذات المنتخبة او الديمقراطية توسع دائرة المنتفعين لتشمل افراد الشعب كافة، فبدل ان تنفق الاموال على الدكتاتور و قلته المحظية، تستغل لتقديم خدمات عامة نافعة و أنظمة إدارية فعالة و منظومة قضائية عادلة و بنية تحتية ذات جودة فيشعر افراد الشعب ان فرصهم بالاستفادة من موارد الدولة متساوية من حيث المبدا و على قاعدة ان لكل مجتهد نصيب، قل ذلك او كثر.

يبقى السؤال المحير .. يستطيع الدكتاتور ان يحكم الخناق على شعبه فيفقرهم و يفاقم مديونيتهم بطيشه و أنانيته و بذخ اهل بيته، ولكن الى متى؟ الخطأ المشترك بين معظم الدكتاتوريين انهم يفقدون مع مرور الزمن ارتباطهم بالواقع و قدرتهم على التمييز فتصبح ثلتهم المأجورة مدفوعة الولاء ذات سطوة و جبروت فتحول تماماً بينهم و بين شعوبهم فيفقدون البصر والبصيرة و ينسون:

ان احتدام النار في جوف الثرى     امر يثير حفيظة البركان

يعجب الدكتاتور بسلطته و سطوته و يشعر بالدفء الذي توفره له مكانته العلية و ينسى ان الحكمة تقول:

لا يعجبن الدب دفء فرائه       فهو الذي يرميه للصياد

و الصياد لا محالة قادم, فهل من مدكر؟
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh