Tuesday, July 5, 2016

حذاء المرحله بقلم د. م. عمار سليم الخوالده

حذاء المرحله
بقلم د. م. عمار سليم الخوالده
تاريخ النشر 22-09-2012

ذات عيد و طفولة ... كنت، مثل كل ابناء القرى البسطاء أتوق لانتعال حذاء جديد, غير صندل البلاستك مشرع النوافذ او "البوت" الصيني ذي الأصابع ... كان والدي رحمه الله قد وعدني فأوفى ... لكن امالي سرعان ما تبددت عندما بدا لي آنذاك ان الحذاء الموعود ذا مظهر "بناتي" و "شراشب"، او هكذا هيء لي ... اشعر بالحزن عندما يمر بي شريط الذكريات ذاك، ذلك ان ابي رحمه الله كان ينتظر ان ترتسم البسمة على شفتي بهدية العيد غير اني ابيت ان ارتدي حذاء ينتقص من جانب الرجولة في طفولتي القروية التي اضاءت ظلمتها فوانيس الكاز و ملأت فراغاتها حكايات الجارات

كبرت و أقراني، و تخرجنا من "مدارس الطين"، كما وصفها ذات ربيع اخ حبيب، ثم اختطفنا غول الغربة فنأى ببعضنا عن الديار. اصبح المشهد عالمي البعد، انساني المدى .تملؤ فضاءاته تعقيدات ليس الى حصرها سبيل، و سخر المولى لابن القرية الذي كانت ملابس "البالة" توفر الدفء لجسده الطفولي ان ينخرط في منظومة المدنية الحديثة بكل تعقيداتها و صخبها ... يرقب الموقف فيرى المتناقضات و الأضداد بكل تجلياتها فمن ديمقراطية و تكنلوجيا بلاد العم سام، الى تخبط و فوضى "جمهوريات الموز" و أقرانها، الى سعار اسواق المال و جحيم ازمات المديونية، الى وحش الفساد الكاسر الذي يفتك بالبسطاء دون ان يكون لهم بواك، و انتهاء براعي السيرك الذي يرى ببصيرته الثاقبة و إلهامه الرباني احيانا ان يجير الناس من فتك وحوش السيرك فيستضيفهم خلف القضبان حماية لهم و ذودا عن حياضهم فهو اعلم بمصلحتهم منهم ... ثمة عالم معقد و كون مادي مجنون يكاد المنطق يغيب عنه ... لكن ثمة ذكاء خفي في سلوكنا نحن بني البشر يبزغ احيانا من ركام كل هذه التعقيدات ... ذكاء نمطي و رتابة ضمنية تبرز حتى في امور بديهية كارتدائنا ملابسنا ... ذكاء يحمل في طياته فهما تراكميا للطبيعة الوظيفية للأشياء والأفعال وان كانت ببساطة انتعال احدنا لحذائه ... فان اضطر احدنا ان يجيب نداء الطبيعه مثلا، فسرعان ما ينتعل "البابوج" و يهرع الى الحمام ... الطبيعة الوظيفية للبابوج هنا تحتم استخدامه للمهمات القذرة وهو دور محوري لا غنى عنه ... و إما أراد احدنا ان يلوذ بالبرية من همومه فيخرج للصحراء او يتسلق الجبال او يقصد "الجم" ليمارس الرياضه فلا بد من حذاء رياضي "يتحمل الدعك" فالأرض وعرة و الدوس عنيف ... اما ان دعي احدنا لعرس او مناسبة فلا بد ان يكون الحذاء لامعا جذابا ... لا فرق ان كان متينا ام لا .. فان جذب انظار العباد اثناء "الهيزعية" أدى المهمه وان اصابه شرخ لحظة اختفاء صاحبه عن انظار المحتفلين ... "فمن يكترث!!!!" المهم ان يقوم الحذاء بما هو منوط به و لمدة و مناسبة محددة ثم يلقى به جانبا الى ان يحين موعد تدويره فيخرج مرة اخرى بهالة جديدة ممجوجة و بهرج براق مصطنع ... احيانا تقتني حذاء بعينه رغم عدم اناقته ... تقتنيه و تلبسه لانه و ببساطة متناهية مريح ... اجل مريح للغاية فلا غضاضة بنقد الناقدين و استهزاء المستهزئين

الامر مختلف قليلا بالنسبة للحسان، او هكذا رأى ذاك الفتى القروي ... فهن، و الأنيقات منهن بالذات، ينتعلن الحذاء ليتناسب مع ما يرتدينه من حلة أنيقة و ذوق رفيع.... بعض الحسان (او قل كثير منهن) يرتدين مع كل لباس حذاء مختلفا يناسبه باللون والتصميم .... اعجبت ذات مرة و لدرجة الانبهار مما رايت من إحداهن عندما كنا إلفين متحابين ... حتى اني أسررت لها بعد ان لثمت ثغرها بما فيه من در و برد ... أسررت لها ان ذوقها في ارتداء الأحذية طبقا لما ترتديه من لباس او ما تشارك به من مناسبه يشبه الى حد كبير ذوق بعض الساسة في جمهوريات الموز اياها، اذ انهم يستبدلون كبار مسؤوليهم كما تستبدل الحسناوات أحذيتهن... فلكل مرحلة حذاء ... و لكل حذاء مرحله
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh