Wednesday, July 6, 2016

الطاقة .. و نضوب النفط .. و المشروع النووي الاردني د. م. عمار سليم الخوالده

الطاقة .. و نضوب النفط .. و المشروع النووي الاردني
د. م. عمار سليم الخوالده
تاريخ النشر 28-01-2014
Ammar Alkhawaldeh

تتصدر قضية الطاقة اجندة كثير من الدول و المؤسسات العالمية لما لها من انعكاس مباشر على الاقتصاد المحلي و الاقليمي و العالمي اضافة الى البنية "الجيوسياسية" لهذه الدول، فتعمد الى اجراء دراسات و تقييمات مستمرة عن طريق مراكز و مؤسسات متخصصة تمكنها من التكيف قدر الامكان مع المستجدات و تسعى الى التقليل من "المفاجاَت" و ما قد يتبعها من اهتزازات ارتدادية قد تضعف السياسات الرامية الى زيادة النمو الاقتصادي و صون البنية الاجتماعية.

و في هذا السياق تصدر بعض المؤسسات العالمية نشرات متخصصة تتنبأ بشكل علمي و مدروس بمستقبل الطاقة و كميات الاستهلاك و الاسعار و اشياء اخرى ... على ان هذه الدراسات تبقى في حدود التنبؤ المدروس بناء على نماذج اقتصادية و رياضية مجربة و معروفة. و من بين هذه الدراسات، تلك التي صدرت عن ادارة معلومات الطاقة الامريكية للعام المنصرم و التي تتنبأ ان استهلاك العالم من الطاقة سيرتفع بنسبة ٥٦٪ بين عامي ٢٠١٠ و ٢٠٤٠ ... اي ان الاستهلاك سيزداد من ٥٢٤ كوادرليون "بي تي يو" عام ٢٠١٠ الى ٦٣٠ كوادرليون عام ٢٠٢٠ ثم الى ٨٢٠ كوادرليون سنة ٢٠٤٠.

و تشير تلك الدراسة الى ان حصة الاسد في تلك الزيادة ستكون من نصيب الدول غير الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية والتي تسعى حثيثا الى اللحاق بركب الدول المتقدمة اذ سيزداد استهلاكها من الطاقة بنسبة ٩٠٪ في حين سيرتفع استهلاك الدول الاعضاء و التي هي في غالبها من الدول المتقدمة تكنلوجيا و اقتصاديا بنسبة ١٧٪ فقط

و لكي نضع هذه الارقام في سياقها الموضوعي دعونا نتذكر ان تعداد سكان الهند والصين مجتمعتين مثلا (و كليهما من غير الاعضاء في المنظمة المشار اليها سابقا) يبلغ قرابة ٢,٦ مليار انسان، اي ما يقارب ٣٦٪ من سكان العالم. و اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان اقتصاديات هاتين الدولتين هي من الاسرع نماء على مستوى العالم، اذ نما الاقتصاد الصيني بين عامي ١٩٩٠ و ٢٠١٠ بنسبة ١٠,٤٪ سنويا و نما نظيره الهندي بنسبة ٦,٤٪ سنويا في نفس الفترة، فاننا سندرك و بجلاء مقدار الضغط الذي تضعه و ستضعه هاتين الدولتين وحدهما على استهلاك الطاقة والطلب عليها عالميا، فالنمو الاقتصادي متشابك حد الالتحام مع الاطّراد في استهلاك الطاقة و الطلب عليها.

و تتنبا ذات الدراسة المشار اليها اَنفا ان الوقود الاحفوري (النفط والفحم و توابعهما) سيستمر بتزويد ٨٠٪ من احتياجات العالم من الطاقة خلال الفترة الممتدة بين عامي ٢٠١٠ و ٢٠٤٠ و سيكون استهلاك الغاز الطبيعي الاسرع نموا ضمن هذا النوع من الوقود خلال هذه الفترة اذ سيزداد استهلاكه بنسبة ١,٧٪ سنويا في حين سيزداد الاعتماد على الطاقة المتجددة و النووية بنسبة ٢,٥٪ لكل منهما. و تشير الدراسة الى ان المستهلك الاكبر للطاقة هو القطاع الصناعي والذي يستحوذ على اكثر من ٥٠٪ من قيمة الاستهلاك.

ثم تعرج الدراسة على مخزون الطاقة و الاستهلاك في الولايات المتحدة الامريكية، اذ تشير الى ان الاحتياطيات المثبتة من النفط بلغت سنة ١٩٨١ ما يقارب ٣١ مليار برميل، انخفضت الى ٢١ مليار عام ٢٠٠٨، ثم ما لبثت ان ارتفعت مرة اخرى و على وقع الاكتشافات الحقلية و التطورات التكنولوجية الجديدة لتصل الى ٢٩ مليار برميل عام ٢٠١١. اي ان الاحتياطيات المثبتة للولايات المتحدة و حدها قد ارتفعت مرة اخرى عام ٢٠١١ الى ما يقارب ما كانت عليه قبل ثلاثين عاما و هذا امر مهم سنعود الية لاحقا في هذه المقالة لتفنيد ادعاءات بعض المروجين للمشروع النووي الاردني، اذ تخذوا من نضوب النفط الحتمي سببا اَخر لبناء مفاعلهم المشؤوم.

و اما الغاز الطبيعي فانخفض احتياطيه المثبت في الولايات المتحدة من قرابه ال ٢١٠ ترليون قدم مكعب عام ١٩٨١ الى ما يقارب ١٧٥ ترليون عام ١٩٩٨ ثم عاد الى الصعود ليصل الى ٢٥٠ تريليون عام ٢٠٠٨ الى ان انتهى به المطاف الى ٣٤٩ تريليون عام ٢٠١١ على وقع ثورة تكنلوجيا التصديع الهيدروليكي و التي اتاح تطورها الوصول الى احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي كانت محشورة في تركيبات جيولوجية غير تقليدية يصعب تحريرها منها، لكنها اليوم باتت في متناول اليد.

ولا باس هنا من الانحراف قليلا عن الموضوع للتنويه الى عدم الخلط بين النفط والغاز المنتج من هذه الطبقات الصخرية و الذي يسمى مجازا (او قل خطأ) بالزيت والغاز الصخري و بين الصخر الزيتي الموجود في الاردن و دول اخرى ... فلقد وقع كاتب اقتصادي اردني معروف قبل عدة اشهر بخطأ فادح عندما كتب مقالا يتساءل فيه عن عدم قدرة الاردن على استخراج الزيت من الصخر الزيتي في حين ان الولايات المتحدة (حسب فهمه) قد بدأت بانتاج كميات ضخمة من الزيت الصخري .. و غاب عن بال الكاتب ان الزيت الصخري في الاردن هو كيروجين (زيت غير ناضج) يحتاج انضاجه الى عمليات تحول كيماوية على درجات حرارة مرتفعة (و انا من انصار استثماره) في حين ان ما قرأه (اي الكاتب) عن الانتاج الضخم في الولايات المتحدة ليس الا اشارة الى الكميات الكبيرة من النفط الناضج والغاز المحشور في تلك التركيبات الصخرية غير التقليدية والتي اتاح تطور تكنلوجيا التصديع الهيدروليكي الوصول اليها مؤخرا مما احدث ثورة في موازين الطاقة، اذ هبطت اسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الى ما يقارب النصف مما انعكس بشكل ايجابي على قدرة الاقتصاد الامريكي على الاسراع في التعافي من الهزة التي ألمت به قبل عدة اعوام.

هذا وقد انشأت الولايات المتحدة خلال الاعوام التي سبقت "ثورة الغاز" عدة محطات لاستقبال الغاز المستورد الا انها الاَن بدأت بتحويل تللك الموانئ الى محطات تصدير للتعامل مع الواقع الجديد. و لان الغاز الطبيعي يعتبر من اهم المواد الخام للصناعات الكيماوية فان العديد من الشركات في الولايات المتحدة قد باشرت او ستباشر قريبا بناء منشاَت كيماوية جديدة يقارب عددها التسع معظمها للايثيلين و البروبلين. كما لا ينبغي ان يغيب عنا ان الغاز الطبيعي يمكن ان يحول الى وقود سائل (بنزين، كاز، ديزل .. الخ) عن طريق تكنلوجيا "فشر تروبس" المعروفة والتي طورت في العشرينات من القرن المنصرم او عن طريق تكنلوجيات جديدة مثل "سنفيول انتيرناشنال" والتي كان كاتب هذه السطور احد مطوريها، او كتكنلوجيا الاقتران التأكسدي للميثان و تكنلوجيا التحويل الحيوي و غيرها.

نعود الى موضوعنا من زاية اخرى فادارة معلومات الطاقة الامريكية تشير بوضوح الى ان هنالك ما يكفي من النفط و السوائل الهيدروكربونية الاخرى و الوقود الحيوي لتغطية احتياجات العالم من الوقود في الافق المنظور و ضمن فترة التنبؤ المشار اليها سابقا ... وتنوه كذلك الى مغالطة يقع بها بعضهم عن قلة دراية، فاتخاذ نسبة الاحتياطيات الى الانتاج كمقياس لمدة ديمومة توفر النفط (٥٠ عاما حسب الارقام الحالية) يتجاهل ان رقم الاحتياطيات هو مفهوم محاسبي لا ياخذ بعين الاعتبار الاكتشافات التي ستستجد و التطور التكنلوجي الذي سيتيح لنا الوصول الى اماكن و مصادر للنفط لم نكن قادرين عليها من قبل، و لا أوضح من ثورة التصديع الهيدروليكي كدليل على ذلك، اذ ارتفعت احتياطيات الولايات المتحدة وحدها وكما أسلفنا الى ٢٩ مليار برميل من النفط مقاربة ما كانت عليه قبل ٣٠ عاما، و ازدادت احتياطيات الغاز الطبيعي الى ٣٤٩ تريليون قدم مكعب مما حولها من دولة مستوردة الى مصدرة.

لقد صاغ كنج هبرت عام ١٩٥٦ نظريته التي تنبأت حينها ان انتاج النفط في العالم سيبلغ ذروته بعد خمسين عاما

ثم يبدأ بالتراجع التدريجي، و هانحن نرى واقع الحال يشير الى غير ذلك ... المحزن في الامر ان ترى اكاديميين و نوابا اردنيين من اشد المروجين للمشروع النووي الاردني يتحدثون في ندواتهم التلفزيونية و في معرض الترويج لذلك المشروع المسخ عن ان النفط سينضب من العالم بعد ٥٠ عاما وان علينا في الاردن ان نتشبث بقشة المشروع النووي لنتجنب سوء الخاتمة ... ان نظرة سريعة الى الارقام المشار اليها سابقا في هذه المقالة تجعل المرء ينظر بعين الشفقة تارة و الاستخفاف تارة اخرى الى مواقف اؤلئك الاكاديميين والنواب الذين خانهم ذكاؤهم فلم يجدوا في جعبتهم شيئا يبررون به انشاء محطة نووية تضع اكثر من ٧٥٪ من سكان البلد في دائرة الخطر المباشر غير الاستدلال بنظرية تنبأت (حسب فهمهم المغلوط) قبل خمسين عاما ان النفط سينضب بعد خمسين عاما ...

حقا؟؟؟ أبهذه السطحية تدافعون عن مشروع بهذه الخطورة و تلك الاهمية ثم لا تتورعون عن وصف انفسكم بالعلماء؟ يا سادة ... من حقكم ان تروجوا لمشروعكم المسخ، ولكن تذكروا انه حقنا كذلك ان نكشف ضحالة علمكم و ركاكة ادعاءاتكم فالسكوت في موضع كهذا ليس الا خيانة لامانة الدفاع عن تراب هذا الوطن و خذلانا لاهله
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh