Wednesday, July 6, 2016

ملك تغيرت به الحال د. م. عمار سليم الخوالده

ملك تغيرت به الحال
د. م. عمار سليم الخوالده
تاريخ النشر 29-09-2014
Ammar Alkhawaldeh

فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا و كان عيدك باللذات معمورا
و كنتَ تحسب ان العيد مسعدة فساءك العيد في أغمات ماسورا
ترى بناتك في الاطمار جائعة في لبسهن رايت الفقر مسطورا
معاشهن بُعيد العز ممتهن يغزلن للناس لا يملكن قطميرا

محزن ان تجري هذه الأبيات على لسان ملك سليل ملك، حاز إشبيلية و قرطبة و مرسية و كان له فيهن صولات و جولات الى ان انتهى به الحال الى ما وصفته ابياته تلك من الهوان و الضعف ... على ان المعتمد بن عباد ذاك الملك الهمام والشاعر الرقيق كان محظوظا بشاعريته و فصاحته التي اتاحت له مواساة نفسه في محنته و سجنه، اما غيره من الملوك و الحكام فلا يجيدون من العربية غير ما تعلموه بعد ان رمت بهم الصدف في أحضان المُلْك ...

لست معنيا بتمحيص أحداث التاريخ بقدر شغفي باستخلاص العبر منها، فالمعتمد الذي دفعته انانيته و ارغمه حبه للملك إلى الاستنجاد بأعداء الأمة آنذاك لقتال بني ملته، آل به عمله إلى ذلك الحال المحزن الرديء ... فما يمنع من كمموا افواه شعوبهم و سلطوا عليهم سيف الغلاء و الذلة و استخفوا عقولهم بحكايات الالهام و السؤدد تارة و و التصدي للمؤامرات الخارجية تارة اخرى، ان يخلص امرهم الى ما خلص اليه امر المعتمد؟

مخطئ من يظن انه في منعة من أمره .. ملكا كان ام رئيسا جبريا ام اي مرتد لأقنعة الدكتاتورية الزائفة ... و مُضلّلٌ من يرى من الشعوب خلاصَهُ على يد الطغاة او الدكتاتوريين فابن خلدون قالها منذ امد فأوجز "الطغاة يجلبون الغزاة" و لنا في تاريخنا المعاصر من الادلة دامغها و من العبر ما تفيض به المقل.

لقد فعلت الدكتاتورية بنا نحن العرب ما لم تفعله بأي من الامم الاخرى فكانت حاضنة رؤوما للفساد و اهله و طريقا خصبا للتطرف و الغلو لبعض من اراد الانفكاك من شأفتها و الانعتاق من نيرها فوقع في شرٍ مما فر منه و لم تزل الدكتاتورية تضع الناس بين شواظ نارها او الطوفان ...

لقد اسست الديكتاتوريات العربية للقمع و التطرف و انعدام التسامح، فبعد ان اغتصب الانقلابيون العسكر حكم مصر في خمسينات القرن المنصرم و اسسوا لواحدة من ابشع الدكتاتوريات التي عرفتها البشرية فحكموا و قتلوا و عذبوا باسم "صوت المعركة" الذي لا يعلوا عليه شئ و بعد ان ضيعوا اغلى مقدساتنا في فلسطين و سفكوا دماء الالاف من العرب مصرييهم و يمنييهم، اسسوا للتوريث في القمع و الاضطهاد فخرجت من سجونهم في مطلع الثمانينات حركات التكفير و التزمت و الظلام و التي ما لبثت ان انتشرت في عالمنا العربي متغذية على قمع الدكتاتوريات و ظلمها و مقتاتة على الفقر والعازة اللتين تسببت بهما منظومة الفساد الخارجة من رحم نظم الاستبداد و الجور.

ان الناظر الى حركات الظلام مجهولة النسب و التي تخذت اليوم من جزِّ الرؤوس شعارا، يدرك دون ريب ان هذه ليست اخلاقنا وان ثمة اياد خفية غريبة تقف وراء التأسيس لمثل هذه القوى النشاز... فمنا من يؤمن انها صنيعة ايران و نظام سفاكي الدماء في سوريا المكلومة و اخرون يلومون الغرب و ربائبهم ... لكن الجدل حول ذلك لا يعدو كونه مضيعة للوقت اذا امعنا النظر فوجدنا ان وقود هذه الحركات و عمادها هم من شبابنا وان كانت قلة و بغض النظر عمن كان وراء التأسيس ... فمن اين يطال الشبابَ التطرفُ و كيف يُجندون؟

لا املك الاجابة ولكن لننظر الى الارقام، اذ تشير احصائيات الامم المتحدة الى ان ضحايا نظام القمع في سوريا العروبة ممن وافاهم الموت قد تجاوزوا المئة و تسعين الفا ... اضف اليهم عشرات الالاف من الجرحى و الاف النساء المغتصبات و الاف مؤلفة لا تزال تقبع في سجون ذلك النظام المستبد ... ثم التفت الى ضحايا الاستبداد الطائفي و الغزو الاجنبي في العراق و ما الحقوه بالناس من عسف و ظلم ... وانظر الى اخوان هؤلاء الضحايا جميعا و اقاربهم ممن ذاقوا لوعة فقدان احبتهم و رأوا بأم اعينهم ما وقع عليهم من جور و حيف على ايدي الطغاة لترى ان العدد لن يقل عن مئات الالاف ... فمن هؤلاء لابد من منتقم حاقد على هذا العالم الذي خذله و لم ينتصر له فلا يجد اقصر من طريق التطرف سبيلا ... ولعلنا لا ننسى اخرين كثر يرون اخوانهم في العروبة يذبخون فتأخذهم حميتهم و مشاعرهم الدينية نحو ذلك الطريق نصرة لاخوانهم فيقعون في شر عظيم ... او ليس أسُّ هذه الكارثه كلها استبداد الطغاة و تجبر الدكتاتوريين؟ فلو تخذو خطوات عملية ملموسة لاصلاح سياسي يقوم على حرية الفرد و صون كرامته لما آل بنا المآل الى ما آل اليه.

هل يفسر ذلك التطرفَ كله؟ ... لا احسبه كذلك، و لكن لننظر كيف تم وأد حلم الكثيرين من شباب العرب بالتداول السلمي للسلطة حينما سطت ثلة العسكر مرة اخرى على ارادة شعب انتخب مسؤوليه فأودعتهم السجون بعد ان سفكت دماء الفين او يزيدون من الابرياء و على رؤوس الاشهاد ... الا ترون رائحة الدكتاتورية والاستبداد بادية في دفع شبابنا الى التطرف؟

ثم انَّا لازلنا نذكر كيف اعتدت ثلة العسكر قبل ذلك على انتخابات الجزائر في مطلع التسعينات من القرن الفائت فانتجت عشرية سوداء راح ضحيتها عشرات الاف من الجزائريين و "فرخت" بؤرا كثيرة للتطرف و الانغلاق والتعصب و اسست لشرعنة اراقة الدماء وتكفير الناس و تفسيقهم ... اوليس الاستبداد و الدكتاتورية والاعتداء على نتائج صناديق الاقتراع من دفع هؤلاء الى التطرف؟

ثم ترى القوانين في بلاد العرب تحاك لتكميم الافواه و قمع منابر الصحافة والاعلام الحر ... فحين يُزجُّ بالصحفيين في السجون و المعتقلات لآرائهم او لموضوعية استقصاءاتهم و تحقيقاتهم المهنية فماذا عساك تدفع الناس الى غير التطرف؟

ان الاستبداد هو منبع التطرف و حصنه المكين، فالعسف والظلم لا ينبتنان ما تنبته بيئة الحرية السياسية التي وصفها اللورد اكتون بانها هي الشرط و الضامن الاساس للحرية الدينية ... فلولا الدكتاتوريات التي حكمتنا و ما زالت لما و صلنا الى حد القلق على الحريات الدينية و التي ينبغي ان تكون من المسلّمات ... فقبل اربعة عشر قرنا صاغ عمر عهده لاهل القدس فكتب ".. امانا لانفسهم و اموالهم و كنائسهم و صلبانهم و سقيمها و بريئها و سائر ملتها ... انه لا تسكن كنائسهم و لا تهدم و لا ينقص منها و لا من حيّزها ولا من صليبهم و لا من شيئ من اموالهم و لا يكرهون على دينهم و لا يضار احد منهم ... "

لقد دأب الطغاة و الديكتاتورين على استدرار عواطف الناس بانتقاء مواقف انسانية محددة و مختاره بعناية ليقدموا العون و الغوث لاصحابها ثم تمطر ابواقهم الاعلامية اَذان الخلق بضجيج هائل و صراخ مبتذل عن مكرمات القادة الملهمين و انسانيتهم ثم يمضون في غيهم و استلاب مقدرات الناس دون رقيب او رادع ...

و لقد تفنن الطغاة و زبانيتهم في التضليل حتى غدت مسحة الفساد هي الغالبة و بات قول الكواكبي "الاستبداد اصل لكل فساد" ادق ما يصف الحال و اصدق ما ينطق بلسانه ف "المستبد يود ان تكون رعيته كالغنم درا و طاعة و على الرعية ان تكون كالخيل ان خدمت خدمت" و ها قد بلغ الامر بنا نحن العرب حدا لم يعد فيه المستبدون يعبأون بستر سوءاتهم او التورية عن قبيح صنيعهم ف "الحكومة مطلقة العنان لا يقيدها قانون و لا إرادة أمة" ولذا كان "على الرعية ان تعرف مقامها هل خلقت خادمة لحاكمها تطيعه ان عدل او جار و خلق هو ليحكمها كيف يشاء بعدل او اعتساف ام هي جاءت به ليهخدمها لا ليستخدمها؟" كما قال الكواكبي ذات نور وتفكير
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh