Tuesday, July 5, 2016

الصخر الزيتي و تقنيات الاستخلاص د. م. عمار سليم الخوالدة



الصخر الزيتي و تقنيات الاستخلاص


بقلم الدكتور عمار سليم الخوالده
تاريخ النشر 20-06-2013

Ammar Alkhawaldeh

  
هذه محاولة قد لا تكون مكتملة، لتثقيف غير المختص بالتقنيات المختلفة لاستخلاص الوقود الخام من الصخر الزيتي و ما يعترض طريق هذه التقنيات من مصاعب تطويرية تقنيا و اقتصاديا ... مع أملي الشديد ان يؤخذ ملف الصخر الزيتي في الأردن على محمل الجد فلا يُدَّخر جهد و لا تضاع فرصة ... كما اتمنى من اهل العلم و المعرفة ان يدلوا بدلوهم لإثراء الحوار و تصحيح ما اعوج من المسار.

يعود بنا التاريخ الى القرن الميلادي العاشر حيث وثَّق العالم الطبيب و الصيدلي العربي المسيحي يحيى بن ماسويه المارديني (نسبة الى ماردين والتي كانت من أقاليم شمال سوريا الى ان سلختها معاهدة لوزان عام ١٩٢٣ فأصبحت ضمن الحدود السياسية الحالية لتركيا) وثَّق تجربةً استخلص فيها الزيت من القار. و حتى لا نُغرقَ في البكاء على الاطلال و الترحم على تاريخنا المفعم بالإبداع و الإنجاز نقول ان اول براءة اختراع رسمية لاستخلاص الزيت من الصخور منحت في بريطانيا عام ١٦٨٤، على ان القرن التاسع عشر الميلادي شهد انتشارا واسعا لمحاولات ابداعية في هذا المجال الى ان حَجَّم ظهورُ النفط زخمَ البحث في تقنيات الصخر الزيتي فغار الاهتمام بها لأمد ليس بالقليل الى ان احيا الاهتمام بها ثانيةً جنونُ اسعار النفط في مطلع القرن الحادي والعشرين، اضافة الى التطور الملموس في ابحاث تكنلوجيا استخراج الزيت من الصخور.

في وقتنا الحاضر بزغ بريق ثلاث دول آتت فيها تقنيات الصخر الزيتي اكُلَها لاسباب ليس من الضرورة ان تنطبق على بقية الدول ... لكن وضع الأردن المهلهل اقتصاديا و سياسيا ربما يجعل منه مرشحا ذا قيمة لمحاولات استثمار المخزون الاستراتيجي الضخم من الصخر الزيتي كما كانت عليه الحال في استونيا و الصين و البرازيل مع اختلاف الأسباب ... فهذه الدول تكاد تكون الوحيدة (اذا استثنينا ما يجري في كندا) التي تُستغلُّ فيها تكنولوجيا استخلاص الصخر الزيتي بشكل استراتيجي .

الى هذا اليوم، و في كثير من الحالات لا بد من الاستناد في قرار الاستثمار في هذا المجال الى البعد الاستراتيجي المتعلق بالأمن القومي المصاحب لندرة او عدم توفر النفط في البلد صاحب القرار ... على ان الأمل معقود و بقوة على إبداع العقل البشري في اجتراح حلول ناجعة لتحديات كبار تثقل كاهل هذه التجربه و التي يبدو ان بوادرها قد لاحت او أوشكت ان تلوح في الافق كما سيتبين في موضع لاحق في هذه المقالة.

لا باس من الاشارة بداية الى ان المنتج النهائي الصالح للاستعمال يمر بمراحل رئيسة عده هي التعدين، التقطير، ثم التكرير و ما يصاحب هذه العمليات من بنية تحتية و مستلزمات مساندة كالطاقة و المياه و اشياء اخرى. ثم لا ننسى معالجة الرماد الصخري الناتج عن هذه العمليات. ولا بد لهذه العوامل مجتمعة ان تؤخذ بالحسبان لتقييم الجدوى الاقتصادية بالاضافة الى عوامل اخرى كالأمن القومي و الاجتماعي و غيرها.

جلُّ التقنيات القديمة يركز على التعدين ثم الاستخلاص "خارج الموقع" على ان التطورات التكنولوجية الحديثة قد نحت منحىً مختلفا يركز على الاستخلاص الموضعي (الباطني) تحت سطح الارض و استخراج الزيت الخام في الموقع (البئر) ثم ضخه الى الخارج بالطرق التقليدية.

لنستعرض و بإيجاز بعض التفاصيل عن هذه التقنيات:

اولا: تقنيات المعالجة خارج الموقع:

تتالف تقنيات المعالجة خارج الموقع من مراحل عدة هي التعدين، الطحن، التقطير، ثم التكرير. حيث تطحن (او تكسر) الصخور الى حبيبات صغيرة بقطر ١٢ الى ٧٥ ملميتر ثم ترسل الى افران عمودية او افقية لتقطير الزيت بفعل الحرارة المرتفعة و التي تقارب ال ٥٠٠ درجة مئوية ثم ترسل الغازات المنبعثة الى اجهزة فصل تعزل أبخرة الزيت عن الغازات الاخرى و تكثفها ثم تبعث بها الى وحدات التكرير التي تصفيها الى وقود سائل يمكن استخدامه.

هنالك عدة طرق لتقطير الزيت من الصخور المطحونة خارج الموقع منها:

١. تقنية الاحتراق الداخلي حيث تُخلط حبيبات الصخور بغازات مرتفعة الحرارة في الفرن تؤدي الى استخلاص الزيت منها (دون ذوبانها) على شكل بخار زيتي. و تستخدم هذه التقنية في اثنتين من العمليات الصناعية التجارية هما (Kiviter Process) في استونيا و( Fushun Process) في الصين. تعاني هذه التقنية من عدة مصاعب منها اختلاط غازات التسخين (والاحتراق) مع أبخرة الزيت و هذا عبء مضاف، بالاضافة الى عدم القدرة على التعامل مع الحبيبات ذات الحجم الأصغر من ١٠ ملم. اضف الى ذلك ان عدم تجانس التوزيع الحراري يؤدي احيانا الى تشكل مناطق ساخنة جداً تتسبب في ذوبان بعض حبيبات الصخور مما يؤدي الى مشاكل الانسداد في الفرن.

٢. تقنية تدوير المواد الصلبة الساخنة حيث تُحمى حبيبات صلبة كحبيبات الرماد الصخري مثلا على حدة الى درجات حرارة مرتفعة جداً (٨٠٠ درجة مئوية) ثم تخلط مع حبيبات الصخر الزيتي المراد معالجتها فيتحرر الزيت من حبيبات الصخر على شكل أبخرة تُكثف و تُفصل ثم تُكرر الى وقود سائل. تًستخدم هذه التقنية في عدة عمليات صناعية منها عمليات ( Galoter and Enefit) حيث تستخدم حبيبات الرماد الصخري المُحماة كوسط صلب لتقطير الزيت، و عمليات ( TOSCO II ) التي تُستخدم فيها كريات السيراميك المُحماة، و عمليات (Alberta Taciuk Process) و التي تتم كافة مراحلها في فرن افقي واحد.

٣. تقنية الاحماء بالتوصيل "الحائط الموصِّل" حيث تُسخَّن حبيبات الصخر الزيتي في فرن دوَّار ذي جدارين تمرر بينهما (اي الجدارين) غازات بدرجة حرارة مرتفعة تؤدي الى تسخين حبيبات الصخر دون ان تختلط بها او تلامسها. يمكن كذلك ان يتم التسخين كهربائيا. تستخدم هذه التقنية في عمليات عدة منها (Oil-Tech) و (Red Leaf Resources Ecoshale In-Capsule Process). تكمن المشكلة في غلاء هذه التقنية نتيجة لارتفاع تكلفة الصفائح المعدنية المخصصة للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة.

٤. تقنية استخدام الغازات المسخنة خارجيا

تُحمى الغازات في هذه العمليات الى درجات حرارة مرتفعة خارج فرن التقطير ثم تُساق الى الفرن لتحِّرر بحرارتها أبخرة الزيت من حبيبات الصخور دون الاختلاط بغازات الاحتراق العادمة . تُستخدم هذه التقنية من قبل (and Petrosix Paraho) و مما يعيبها عدم قدرتها على معالجة حبيبات الصخور الناعمة و عدم قدرتها على استغلال الطاقة الكامنة في الرماد مما يؤدي الى استهلاك كميات إضافية من الوقود القيِّم.

٥. تقنية السوائل "التفاعلية" (Reactive Fluids)

والتي يتم فيها استخلاص الزيت عن طريق سوائل "تفاعلية" تحت ظروف مختلفة بما فيها الحالة فوق الحرجة (Supercritical State). تصلح هذه التقنية بشكل اكبر للخامات ذات المحتوى الهيدروجيني القليل. تُستخدم هذه التقنية في عمليات (IGT Hytort) والتي تستخدم الهيدروجين المضغوط و عمليات (Fluidized Bed Reactor Chattanooga) والتي تتطلب فرنا هيدروجينيا للتكسير الحراري و الهدرجة. يعيق انتشار هذه التقنية كلفتها العالية و الحاجة الى انتاج (او شراء) الهيدروجين، بالاضافة الى كونها عملية معقدة نسبيا.

٦.تقنية البلازما (غازات متاينة) (Plasma Gasification)

وهي في طورها المخبري حيث يؤين فيها الهواء او الهيدروجين او النيتروجين الى بلازما ثم تُقذف الخامات بالجذور الحرة والأيونات مما يكسِّر جزيئات القار الى غازات و ابخرة زيت.

ثانيا: تقنيات الاستخلاص الموضعي (الباطني)

تعتمد تكنلوجيا الاستخلاص الموضعي على تسخين الصخور تحت الارض بطرق عدة منها على سبيل المثال لا الحصر حقن التشكيلات الصخرية بسوائل مُحماةٍ الى ان تصل حرارتها الى الحد اللازم لانبعاث الزيت منها ثم يُصار الى تصديع التشكيلات الصخرية تحت الارض، متبوعة باستخراج الزيت من البئر ثم تكريره. هنالك العديد من التقنيات في هذا المجال منها:

١. تقنية التوصيل الحراري (Wall Conduction)

و يتم فيها غرز أنابيب او خلايا تسخين في التشكيلات الصخرية لأحمائها و دفع الزيت الى مغادرتها الى بئر محفورة يتم من خلالها سحب الزيت المستخرج الى السطح. هنالك عدة عمليات تسخدم هذه التقنية بأشكال مختلفة منها:

(ا) تقنية شِل للتحويل الموضعي (Shell In Situ Conversion Process)

والتي طورتها شركة شل كما هو واضح من الاسم و يتم فيها غرز أنابيب تسخين كهربائية في باطن الارض حيث خامات الصخور الزيتية لترفع حرارتها الى ٣٤٠ - ٣٧٠ درجة مئوية خلال مدة تقارب الاربع سنوات و يتم فيها عزل منطقة التسخين عن المياه الجوفية المحيطة ب "حائط جليدي" اصطناعي يُشكَّل من خلال حفر آبار محيطة مملوءة بسائل مُبرَّدٍ دوار. جرى العمل على تطوير هذه التقنية منذ مطلع الثمانينات من القرن المنصرم و اجريت تجربة مصغرة عام ١٩٩٧ في ولاية كولارادو الامريكية ثم اخرى في ٢٠٠٤ انتج من خلالها ١٧٠٠ برميل و استمرت جهود التطوير عبر الأعوام اللاحقة.

رغم محاسن هذه التقنية العديدة الا انها تتطلب كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية (والتي يمكن في حالةٍ كالارن مثلا ان ينتج قسم كبير منها من الطاقة الشمسية)، زد على ذلك اننا لا نعرف على وجه اليقين فعالية "الحائط الجليدي" في حماية المياه الجوفية ثم اني لم استطع ان أتأكد عن طريق أية مصادر محايدة رغم محاولاتي من نسبة الطاقة المنتجة الى تلك المستهلكة في عملية الاستخلاص و هي عنصر مهم في تحديد جدوى هذه التقنية اقتصاديا.

(ب) CCR Process

يتم في هذه العملية تمرير بخار الماء الساخن (او اوساط ناقلة اخرى) من خلال أنابيب توضع تحت الطبقة الصخرية المعنية عن طريق آبار أفقية و اخرى عمودية لتسخين الصخور و استخراج الزيت. تحتاج هذه التقنية الى حرق كميات من الغاز الطبيعي في بادئ الامر لتوليد البخار ثم يستعاض عنه بالزيت المستخرج لحظة بدء الانتاج.

(ج) Geothermic Fuel Process

تُسخَّن التشكيلات الصخرية في هذه التقنية عن طريق خلايا وقود مرتفعة الحرارة تزرع في باطن الارض حيث الصخور المراد معالجتها.

٢. تقنية استخدام الغازات المسخنة خارجيا (Externally Generated Hot Gas )

يتم في هذه التقنيات احماء الغازات خارجيا الي درجات مرتفعه ثم يتم حقنها في التشكيلات الصخرية تحت سطح الارض. و هنالك عدة عمليات تستخدم هذه الطريقة:

(ا) The Chevron CRUSH Process

و يعمل علي تطوير هذه التقنية شركة شفرون بالتعاون مع مختبرات لوس الاموس الوطنية الامريكية (Los Alamos National Laboratory). و يتم فيها حقن ثاني أكسيد الكربون المُحمى عن طريق آبار تحفر لهذه الغاية يتم من خلالها تصديع التشكيلات الصخرية أفقيا لتسمح للغاز الساخن ان يتغلغل في الصخور فيساعد في اخراج الزيت الى البئر

(ب) Omnishale Process

والتي يقوم علي تطويرها شركة ( General Synfuels International) و يتم فيها تسخين كميات من الهواء الى درجات مرتفعة جدا ثم تحقن بها التشكيلات الصخرية بطرق مشابهه لما ذكر سابقا.

(ج) Mountain West Energy

و هي مشابهه لما ذكر انفا

٣. ExxonMobil Electrofrac

و تطوِّع هذه التكنولوجيا عملية التسخين الكهربائي (Electrical Heating) مصحوبة بالتوصيل (Wall Conduction) و التسخين الحجمي (Volumetric Heating) حيث تُحقن مادة موصله كهربايا كالفحم البترولي المكلس (Calcined Petroleum Coke) لتشكل عنصر تسخين كهربائي في ابار مصدعة هيدروليكيا متوازية عموديا و أفقيا تؤدي الي استخلاص الزيت الذي يتم استخراجه عن طريق آبار منفصلة تحفر لهذه الغاية. نتائج التجارب في هذا المضمار تبدو مشجعة الي الان.

٤. تقنية التسخين الحجمي (Volumetric Heating) بطريق الأمواج (او الترددات) الراديوية. و قد قام بتطوير هذه التقنية ابتداءا معهد إلينوي للتكنلوجيا (Illinois Institute of Technology) ثم تلته مختبرات لفرمور الوطنية (Lawrence Livermore National Laboratory) حيث يتم التسخين بمصفوفات عمودية من الإلكترودات.

يكمن موطن الضعف في هذه التكنلوجيا بالحاجة الي كميات كبيرة من الكهرباء ناهيك عن امكانية ضياع بعض هذه الطاقة عن طريق امتصاصها من قبل المياه الجوفيه القريبة. و تجدر الاشارة الي ان مؤسستي ريثيون (Raytheon) و (CT Technologies) يعملان علي تطوير تقنية تستخدم الترددات الراديويه مصحوبة بالسوائل الحرجة (Critical Fluids) و تقوم شركة (Schlumberger) بالفحوصات التطبيقية لها.

الاعتبارات البيئية:

تترك عمليات استخلاص الصخر الزيتي و خصوصا تلك التي تتم خارج الموقع آثارا بيئية ملموسة في مجالات عدة ابرزها:

(ا) استخدام الاراضي، حيث يحتاج التعدين الي مساحات واسعة من الاراضي التي يتم فيها الحفر و الاستخلاص و بقية العمليات المساندة

(ب) المخلفات و النفايات، حيث الرماد و المياه العادمة و بقايا التعدين، و بعض المعادن الثقيلة و امور اخري تنتج عن هذه العمليات المعقدة

(ج) تلوث الهواء اذ تتسبب هذه العمليات بانبعاث بعض الملوثات كاكسيد الكبريت، كبريتيد الهدروجين، كبريتيد الكاربونيل، و أكاسيد النيتروجين.

(د) تلوث المياه

(ه) استهلاك المياه

تستهلك عمليات الاستخلاص خارج الموقع كميات كبيرة من المياه تتراوح من برميل واحد الي خمسة براميل لكل برميل زيت منتج في حين يقدر استهلاك تقنيات الاستخلاص الموضعي (في باطن الارض) بعًشر تلك الكميات فقط و تجدر الاشارة الى ان تقنيات الاستخلاص الموضعي (الباطني) تخفف و بشكل ملموس من حدة معظم هذه الاثار البيئية مقارنة مع تلك التي تتم خارج الموقع.

بقي امر مهم كنت اود ان أعرج عليه وهو اقتصاديات استخلاص الصخر الزيتي لكني عزفت عن ذلك لطول المقالة اولا و لتباين آراء المختصين في هذا الامر ثانيا لذا اترك الباب مشرعا للحوار و ملئ الفراغ
شاهد المزيد
التعليقات

No comments :

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.

Ammar Alkhawaldeh